الوقاية خير من العلاج بقلم: ماهر اللطيف 🇪🇬

 

الوقاية خير من العلاج




بقلم: ماهر اللطيف  🇪🇬


انزويتُ فجأة في ركنٍ مظلم من غرفتي الصغيرة بعد عودتي من العمل ذات يوم. أغلقت الباب بإحكام، رفضت الأكل والشرب، فضّلت الصمت واعتزال الجميع، واستسلمت لموجة من بكاءٍ حارق، صراخٍ، نحيبٍ، وانهيار لم أعرف له مثيلًا من قبل.


لم أجد سببًا واضحًا لما أصابني. لم أتشاجر مع أحد، لم أتعرض لحادثة تُذكر، ولم يطرأ ما يبرّر هذا السلوك الغريب عني. كل ما أعرفه أن شيئًا ما انفجر بداخلي، وكأنني أفرغت شحناتٍ متراكمة من السواد والضبابية. لحظات جنون حقيقية، انتقمت فيها من نفسي دون أن أفهم الدافع.


فتحت باب الغرفة بعد وقتٍ لا أعلم طوله، تنهدت من أعماقي، تحرّكت ببطء، أجريت بعض الحركات الرياضية، ثم تبسّمت لعائلتي بدهشة وهم ينظرون إليّ في صمتٍ مفعم بالذهول. توجّهت إلى بيت الراحة، توضأت، صليت الظهر وركعتين شكرًا لله، ثم غيّرت ثيابي وغادرت المنزل بخطى متثاقلة، لا أعلم إلى أين.


سرتُ هنا وهناك، يمنة ويسرة، إلى الأمام والخلف، وأسئلة متلاحقة تنهشني:


"إلى أين؟ ما الذي يحدث؟ ما هذا يا أحمق؟ أفق قليلًا، أعد ترتيب أفكارك، استرجع نفسك!"


مشيتُ على غير هدى، شاردًا، غائبًا عن وعيي. كل من صادفني لاحظ اضطرابي وهمسي مع ذاتي، فانهالت التعليقات من هذه المجموعة التي استوقفتني ولم أجب أحدا منهم :


"ربنا يشفيه، مسكين لا يزال في ريعان شبابه."- 


"الله ينتقم من أولاد الحرام وبناته."- 


"هذا جزاء عقوق الوالدين."- 


"الله يلعن من نشر المخدرات بين شبابنا."- 


"استغلوا براءته وإيمانه، فدمّروا حياته."- 


لكن الحقيقة غير ما ظنوا. لم أكن مدمنًا ولا عاقًا ولا ضحية مخدرات، بل كنت فريسة نوبة انفعالية عميقة، حالة هستيرية وتفارقية تراكمت دوافعها في داخلي حتى انفجرت في تلك اللحظة بالذات.


حين هدأت قليلًا، تذكرت أنني مررت بشيء شبيه من قبل: يوم رسبت في امتحان الابتدائي، ويوم بلغني خبر وفاة خطيبتي المفاجئ ونحن على وشك الزواج. واليوم… يوم لم أستحضر أسبابه في البداية، لكن سرعان ما عاد إليّ المشهد: رئيسي المباشر في العمل يهينني، يصفعني، ويقذفني بعبارات جارحة بعد أن رآني نائمًا على مكتبي كبقية زميلاتي اللاتي يشاركنني المكتب، لكنه لم يكلمهن، لم يعلق عليهن، بل صب جام غضبه علي . لم أتمالك نفسي فاعتديت عليه بعنف، فكان جزائي الفصل الفوري.


جلست في أول مقهى اعترض طريقي، طلبت مشروبًا، وأخذت أستعيد شريط أحداث يومي منذ الفجر حتى لحظة الانفجار. عندها فقط فهمت أن كل ما حدث كان نتيجة لذلك الانكسار المهين، لتلك الصفعة التي لم تحتملها كرامتي.


في الغد، قصدت الطبيب مباشرة، أبحث عن تشخيص لحالتي قبل أن يتفاقم الأمر ويصعب تداركه. أدركت حينها أن وقاية النفس خير من علاجها بعد فوات الأوان.

إرسال تعليق

0 تعليقات