لقاء الأرواح بقلم: ماهر اللطيف....جارديان عربية


لقاء الأرواح



بقلم: ماهر اللطيف


على وقع نغمات قلبها، وعزفه لمعزوفة الوجد والشوق، راقص جسدها اللحظة وتراخت أجزاؤه حال رؤياي لها. رسمت في خيالي لوحاتٍ رائعةً جذّابة. تضاعفت دقات قلبها، فغدت إيقاعًا منتظمًا متسارع الرنّات، بعث في المكان صخبًا خافتًا كسر صمت الموقف، وبدّد دهشة اللقاء من جديد.


توقّف الزمن.

سكتت عقارب الساعات.

تحنّطت الشمس والقمر.

وتلألأت نجوم السماء عند منتصف هذا النهار… هنا، حيث التقينا.


نظرتُ إليها، ونظرت إليّ، في دهشة حطّمت كل الأرقام القياسية لمثل هذا المشهد. تسمرنا في مكاننا. احمرّت وجوهنا ثم اصفرت، تجمد الدم في عروقنا، فقدنا توازننا، تراخت أبداننا، وشعرنا بظمأ لا يضاهيه ظمأ أهل النار يوم الحشر.

تقطّعت أنفاسنا.

أعرضنا عن الكلام، وهجرنا كل تعبير.


بقينا كذلك زمنًا… نتبادل الحديث عبر القلوب، نتكلّم بصمت، نتراسل باللوم والعتاب من خلال العيون وتعابيرها. نسترجع ذكرياتنا من آهاتنا وآلامنا، ونتعانق عبر ذبذبات نبضات القلوب:


- اشتقتُ إليكِ… ما أصغر هذا الكون، وما أعظم عقابه.


- (مبتسمة) صه... دعني أرى ما فعل بك الزمان والبشر.


- (بكل حياء) متهور، متسرع، صبياني... كعادتك.


- (ضحك متبادل) بل هو الشوق، والوجد، وصدمة اللقاء وفرحته...


تواصل الحوار بيننا، كنفه الترحيب، وتخلله دفء الوجد والحب، واللوم والعتاب، حتى ساد الصمت مجددًا، وسرَح كلٌّ منا في غابة ذكرياته الخصبة التي لا تنضب.


فرأت نفسها شجرة صغيرة، أينعت وأزهرت، واخضرت أوراقها ذات ربيعٍ، حين أحبّتني. لكن صيفًا قاسيًا اجتاحها، عطّشها، تلاعب بأغصانها وأوراقها، دهس جذورها بعنف، فتهاوت أوراقها الواحدة تلو الأخرى مع الخريف. غزتها الحشرات، تعرّت، شحبت عروقها، ذبلت جذورها، وأمست مجرد ذكرى لشجرة كانت يومًا ما شامخة، مثمرة، تنتمي إلى غابة الحياة.


أما أنا، فرأيتني ماءً صافيًا، ناصعًا، لا لون له ولا طعم، يرغب فيه كل مخلوق. جريت في سواقي الغابة، حتى طاب بي المقام في ظل تلك الشجرة. ركدتُ هناك، لم أشأ مغادرة المكان، حتى أغرقتها.

تحوّل العطش إلى ارتواء مبالغ فيه، يضرّ أكثر مما ينفع.


ولم أهتم لذلك، فقد كان الأهم أن أبقى حيث راحتي النفسية والاجتماعية، حيث دقّ قلبي وحنّ، أحببتها حدّ الهيام. كنت أقتلها لأحيا دون أن أشعر… حتى تبخّرت من فرط الركود والاستسلام.


طِرتُ في السماء، التحمتُ بالسحب، وغيّرت لونها. زمجرتُ مع المزن، وتنزّهت هنا وهناك، عاليًا فوق الأرض التي احتملتني، ثم أمطرتُ بعيدًا… وسقيتُ أرضًا غير أرضها، وشجرةً غيرها.


وبعد غفوتنا تلك، رجعنا إلى وعينا. ابتسمنا. حاولنا الاقتراب لنتعانق… لكننا عجزنا.

دمعت عيوننا، وقالت أرواحنا معًا بنبرة حزينة متثاقلة مؤلمة:


"ها قد اجتمعت الأرواح مجددًا، في انتظار يوم الحشر...

قد نلتقي هناك، تحت سقف واحد، بإذن الله".

 



إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. رائع جدااااااااا ابداااااااااع

    ردحذف